هل أصفق للبابا على التزامه بتعاليم الدين وعدم رضوخه لأية ضغوط تخالف هذه التعاليم، أم أرثى لضياع هيبة القضاء والدولة.
…………
القضية لمن لم يعرفها رفعها أحد الأزواج المسيحيين ممن تم تطليقه من زوجته من سنوات بقرار كنسي. وفي الوقت الذي منحت فيه الكنيسة بعد ذلك لمطلقته تصريحاً بالزواج مرة أخرى قامت على إثره بالزواج من شخص آخر، ترفض الكنيسة منحه هذا التصريح، وتقول إنه إن أراد أن يتزوج فليفعل ذلك بعيداً عن الكنيسة. وهو ما اعتبره إجحافاً بحقه، وعدم عدالة في الأحكام فرقع قضيته آنفة الذكر.
المحكمة استندت في حكمها على لائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين الأرثوذوكس الصادرة عام 1938 ـ ولا يوجد لدى المحكمة قوانين أخرى تستند إليها لإصدار أحكامها. أما الكنيسة فلا تعترف بهذه اللائحة، و تطالب بتغييرها. وتقول إنه بخصوص القضية المشار إليها فإن الكنيسة لا تحكم بالتطليق إلا لعلة الزنا، وأنه إذا زنا أحد الزوجين وتم تطليقه، فإنها لا تصرح له بالزواج مرة أخرى حسب تعاليم الإنجيل، وإلا كانت كمن يشجع على ارتكاب الفاحشة.
وجهة النظر الأخرى ترى أن هذا التضييق في المعاملة، وعدم التجاوز عن الأخطاء السابقة هو الذي يؤدي إلى الاستمرار في الخطيئة، أو تغيير الملة أو حتى تغيير الديانة، وأن روح الإنجيل لا تقول بذلك، ولا يمكن أن تشجع عليه.
الخلاف بين وجهتي النظر خلاف تقليدي، ويشبه تماماً الخلاف بين النصوصيين من الإسلاميين وبين المجددين. وسيستمر لسنوات ولا يمكن حسمه، وليس لنا أن نتدخل فيه.
ما لفت نظري أكثر هو الجرأة والثقة التي تكلم بها البابا شنودة، والتأييد الواسع الذي لقيته كلمته. وتساءلت هل مصر دولة دينية أو دولة مدنية؟ ولفت نظري أن أشد المؤيدين للبابا في عدم ولاية الدولة على أحكام الكنيسة من رجال ونساء البرلمان والمثقفين الأقباط هم أعلى الأصوات عداء للمادة الثانية من الدستور (التي استشهد بها البابا دفاعاً عن رأي الكنيسة)، وهم أكثر المحذرين من طغيان الصوت الديني للإسلاميين على مدنية الدولة وعلمانية قوانينها.
…………
هل تسمح هذه السابقة لشيخ الأزهر أن يرفض حكماً قضائياً لأنه لم يطبق حد الزنا أو حد السرقة، ولماذا سمعنا أصوات التنديد بتصريح عابر لشيخ الأزهر السابق حين طالب بتطبيق حد القذف (الجلد) على الذين يلوكون في أعراض الناس؟ هل سنسمع للأزهر صوت ينادي بتحريم تقديم الخمور على الطائرات المصرية.
وفي نفس اليوم أصدرت محكمة القضاء الإداري حكماً بأحقية الجامعات في منع المنقبات من دخول الامتحانات.
قولوا لي:
الكلمة النهائية في مصر للقضاء أم للدين (إسلامي أو مسيحي) أم للذراع والفتونة ؟
قولوا لي:
ألا يوجد اتحاد مصري لحقوق المسلمين يصدر بياناً مشابهاً… يتحدث عن الاعتداء اليومي السافر والمستمر من الشرطة والقضاء والتعليم والإعلام والصحة على: "أعمال تدخل فى صميم الأعمال الدينية من الشريعة الإسلامية".
مصر على المحك.
ولا أحد يستطيع أن يجزم…
إلى أين يمكن أن يقودها قطار التغيير.
إلى أين أنت تتجهين يا مصر؟!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق